الإجراءات الضرورية.. كتاب جديد للمبعوث الأممي السابق إلى ليبيا إيان مارتن يكشف “الأخطاء والمبالغات الغربية الفادحة” في الإطاحة بالعقيد معمر القذافي

سلط موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، الضوء على كتاب “كل الإجراءات الضرورية.. الأمم المتحدة والتدخل الدولي في ليبيا”، الذي أصدره رئيس بعثة الأمم المتحدة السابق في ليبيا، إيان مارتن، وكشف فيه عن ما أسماها الأخطاء الغربية الفادحة في ليبيا عام 2011، معترفا بأخطاء وقعت فيها الأمم المتحدة.

وبحسب تقرير نشره”ميدل إيست آي”، فإنه “إذا كانت هناك شهية للنظر إلى الخطأ الذي حدث، في الإطاحة بالعقيد معمر القذافي، وما تلاه مباشرة، فإن الكتاب الجديد يوفر بديلاً حكيماً وموثوقاً لتقرير التحقيق”، مشيرا إلى أن مارتن، بين في كتابه، أن الأخطاء الغربية الفادحة أدت إلى إلحاق ضرر كبير بعقيدة “مسؤولية الحماية”.

وأوضح أن مارتن يعتقد أن التقارير الإعلامية عن سلوك القذافي، وكذلك خطاب مؤيدي التمرد ضده، مبالغ فيها، لافتا إلى استمرار الفوضى وانعدام الثقة وتأخير الانتخابات بعد 10 سنوات من مساعي ليبيا لبناء نظام مستقر وديمقراطي بعد الإطاحة بالقذافي.

ووفقا للتقرير، فإنه لا أحد من الفاعلين اليوم يريد تسليط الضوء على أخطائهم الفادحة، مضيفا أنه لن يكون في ليبيا “تحقيق شيلكوت” مثل الذي أجري في العراق وفضح الأخطاء التي ارتكبتها الدولتان اللتان تصنعان الحرب، الولايات المتحدة وبريطانيا في عام 2003.

ونوه بأن مارتن شغل منصب مستشار تخطيط الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لليبيا في عام 2011، وأصبح أول رئيس لبعثة الأمم المتحدة لدعم ليبيا في عام 2012، فيما قدم في كتابه، تحليلاً ممتازًا للقضايا الرئيسية خلال الحرب وفي فترة ما بعد القذافي.

ولفت إلى اتهام الداعمين الرئيسيين للتدخل العسكري، بريطانيا وفرنسا، بالتخلي عن ليبيا والسماح للميليشيات بتخريبها، وقال إن مارتن أجرى عملاً بحثيًا هائلاً في البحث عن بيانات ومذكرات اللاعبين الخارجيين الرئيسيين، ديفيد كاميرون ونيكولاس ساركوزي وباراك أوباما ومسؤولوهم.

وأوضح أن مارتن سرد تفاصيل صنع القرار الداخلي للأمم المتحدة، ولقاءاته مع السياسيين الليبيين المتنافسين في الانتخابات التي ساعدت الأمم المتحدة في تنظيمها في عام 2012، مضيفا “لا تزال العديد من الأسئلة المتعلقة بالسياسة محل خلاف”.

وتساءل: “هل كان صحيحًا، أن القذافي هدد بمذبحة في بنغازي، وهو ادعاء استخدم لتبرير قرار مجلس الأمن بحجة حماية المدنيين، بما في ذلك فرض منطقة حظر طيران في مارس 2011؟”

وأشار إلى أن خبراء أكاديميين بارزين شككوا في التقييمات البريطانية والفرنسية والأمريكية لنوايا القذافي، وقدموا أدلة إلى لجنة الشؤون الخارجية بمجلس العموم في عام 2016، فيما يعتقد مارتن أن حديث وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس عن “الإبادة الجماعية المحتملة” كان غير مناسب.

ونقل عن مارتن قوله إن الإشارات الغربية المستمرة إلى الحاجة لمنع “سريبرينيتشا أخرى أو رواندا مبالغ فيها بشكل كبير”، وأضاف “مارتن خلص إلى أن المخاوف من حمام دم لم يتم اختلاقها من أجل توفير ذريعة للتدخل العسكري، وقال: لقد كانت حقيقية”.

ووصف مارتن كيف جادلت بريطانيا والولايات المتحدة بشكل مثير للجدل بأنه كان من القانوني إمداد المتمردين المناهضين للقذافي بالأسلحة على الرغم من حظر الأسلحة، موضحا أن الحكومة البريطانية استخدمت مغالطة في مواجهة الذين قالوا إن قرار الأمم المتحدة لا يسمح بالتدخل لإحداث تغيير في النظام، كما زعمت بريطانيا أنه إذا كان تغيير النظام ضروريًا لحماية المدنيين، فإن الإطاحة بالقذافي ستكون قانونية، بحسب التقرير.

وفي ضوء مواقفهم من الحرب الحالية في أوكرانيا، ذكّر مارتن بأن جو بايدن كنائب رئيس الولايات المتحدة، في ذلك الوقت، كان في البداية ضد التدخل العسكري في ليبيا، بينما كان أنطوني بلينكين، مستشار الأمن القومي لبايدن، في صالحه.

ونوه التقرير بأن الدعوات الأولى لاستخدام القوة ضد القذافي لم تكن من قبل الحكومات الغربية ولكن من قبل المنظمات غير الحكومية والمثقفين العرب، وكانت أولى الحكومات التي دعمت التدخل العسكري هي الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، بينما كان للاتحاد الأفريقي وجهة نظر مختلفة.

وأشار إلى أنه مع بدء القصف الغربي، كانت لجنة رفيعة المستوى للاتحاد الأفريقي تستعد للقاء القذافي في طرابلس، فيما كان كاميرون وساركوزي رافضين لدور الاتحاد الإفريقي ولم يسعيا إلى خيار محادثات السلام، وأنهما على العكس من ذلك، أعلنوا التزامهم بالنصر وأذنوا للقوات الخاصة بدخول ليبيا سراً لمساعدة المتمردين، في تحد للوعود التي قُطعت أثناء تمرير قرار مجلس الأمن الدولي بعدم وجود جنود غربيين على الأرض.

وأعرب مارتن عن أسفه لعدم تركيز الحكومات الغربية على القضايا السياسية، حيث كتب أنهم لم يفهموا أهمية القبائل والمنافسات بين القبائل، وعدم شمولية تحالف المتمردين المدعوم من الغرب، المجلس الوطني الانتقالي، وأصبح هذا الجهل حرجًا بمجرد اغتيال القذافي.

وأشار التقرير إلى أن تقرير “التقييم المسبق” للأمم المتحدة، حذر من انتشار الجماعات المسلحة، وقال إنه لا يُعرف سوى القليل عن تكوين وتسليح وترتيبات القيادة والسيطرة للميليشيات من جانب المجلس الوطني الانتقالي.

ولفت إلى مذكرة وزارة الخارجية الأمريكية في سبتمبر 2011، حيث ذكرت أن “الاستقرار في ليبيا بعد الصراع ، رغم أنه مشروع جدير بالمستوى الصحيح للاستثمار، لا يمكن اعتباره أحد أعلى أولوياتنا. من الناحية الاستراتيجية بالنسبة لنا، ليبيا ليست كبيرة مثل مصر وسوريا”.

وأكد أن المسؤولين الغربيين لم ينخرطوا في إيجاد الحلول، بعد تجربة العراق وأفغانستان، وكانوا ضد بناء الدولة، كما ترك أوباما الأمر للبريطانيين والفرنسيين للإشراف على جهود ما بعد الصراع في ليبيا، لكنه انتقدهم فيما بعد لفقدان الاهتمام والمشاركة.

ونقل عن مارتن قوله إن المسؤولية الكبرى عن الفشل في إصلاح قطاع الأمن الليبي تقع على عاتق الحكومات التي ساعدت المتمردين وسلحتهم، مشيرا إلى أن القادة الليبيين ارتكبوا أخطاء، لا سيما قرار وضع الجماعات المسلحة على رواتب الحكومة بدلاً من إيجاد طرق لحلها.

وأعرب مارتن عن أسفه لنقص التفكير الاستراتيجي من قبل الحكومات الخارجية وكذلك عدم اهتمامها بمخاوف جيران ليبيا الأفارقة، فيما اعترف بأخطاء الأمم المتحدة خلال الفترة التي قضاها كرئيس للبعثة في ليبيا، بحسب التقرير.

وقال مارتن، إن الأمم المتحدة فشلت في تعزيز الحوار السياسي، تماما مثل الحكومات الأجنبية، كما هدأت في شعور زائف بالتفاؤل بعد انتخابات يوليو 2012، والتي شهدت فوز عدد قليل من الإسلاميين بمقاعد.

ونوه بما كتبه مارتن عن أن الأمم المتحدة والجهات الخارجية الأخرى قللت من تقدير عاملين، أولهما الصراع بين الإسلاميين والجماعات والكتائب السياسية الأخرى، والعامل الثاني هو التنافس بين الأطراف الخارجية، ولا سيما قطر والإمارات، في ليبيا.

وأشار إلى أنه في السنوات الأخيرة، تفاقمت الفوضى التي تلت ذلك بسبب مكائد اللاعبين الجدد روسيا وتركيا، مضيفا أنه بشكل عام، كان التدخل في ليبيا عام 2011 قصة مؤسفة، وكان الدافع وراءه جزئيًا هو مبدأ “مسؤولية الحماية” الجديد، والذي بدا أنه يبشر بالكثير.

وأكد مارتن أن الأخطاء الفادحة التي ارتكبت في ليبيا أدت إلى إلحاق ضرر كبير بتلك العقيدة، كما تُظهر تجربة ليبيا أن مسؤولية المتدخلين ليست فقط الرد والوقاية، بل المتابعة وإعادة البناء، وإلا فإنه يصبح أكثر بقليل من تدمير غير مسؤول.

——-
ليبيا برس

إيان مارتنالأمم المتحدةبريطانياليبيامعمر القذافي