“العربي الجديد” توثق بالصور عمليات تنقيب عن آثار في شرق ليبيا وتتهم عناصر تابعة لحفتر بنهبها وبيعها

كشفت صحيفة “العربي الجديد”، الممولة من قطر، عن عمليات تنقيب أثرية في شرق ليبيا، مؤكدة أن العناصر التابعة لحفتر والمسيطرة على المنطقة متورطة بها من خلال النبش في تلك المناطق وعرض ما يجدونه للبيع عبر صفحاتهم على موقع “فيس بوك”.

ونقلت الصحيفة، في تقرير لها، عن المواطن الليبي أبوبكر الغيثي، قوله إنه يشاهد عمليات نبش مستمرة للمواقع الأثرية في منطقة كرسة غرب مدينة درنة، من قبل مسلحين يستقلون سيارات تحمل شارة سرية تابعة لمديرية أمن درنة، موضحة أنه شاهد للمرة الأولى، 6 مسلحين من السرية يحملون آلات ومعاول ويقومون بالحفر بالقرب من المنطقة التي يعيش فيها منتصف يناير 2021، وحين سألهم قالوا “في حماية الجيش”، مشيرة إلى أنه عرفت لاحقا من أصدقاء بتكرار الأمر في وادي مرقص والأثرون بالجبل الأخضر بحثا عن الآثار.

ولفتت إلى أن ما وثقه شاهد العيان، جزء من ظاهرة، بحسب عضو جمعية إحياء التراث الليبي، السنوسي عطية، الذي قال إن السلطات الأمنية التابعة لحفتر تغض الطرف عن أعمال مسلحي مليشياتها في نبش الأراضي بمناطق الجبل الأخضر، واصفة عمل مصلحة الآثار والشرطة السياحية بـ”الشكلي”، بسبب القبضة الحديدية لمليشيات حفتر والتي لا يمكن لأي جهة مجابهتها.

ونقلت عن صالح البرعصي، مدير الدوريات بجهاز الشرطة السياحية وحماية الآثار بالحكومة المؤقتة السابقة، والتي كانت خاضعة لحفتر في شرق ليبيا، قوله إن تجار الآثار يستغلون ضعف رقابة السلطة بالمناطق البعيدة، مضيفا: “ليست لدينا مواقع محددة مسجلة لنشر فرق مراقبة بها لمنع التنقيب، وجهاز الشرطة السياحية، لا يملك إمكانيات كافية لإطلاق دوريات تراقب مناطق الجبل الأخضر البالغة مساحته أكثر من 7 آلاف كيلومتر مربع”.

ونقل التقرير عن أستاذ الآثار الكلاسيكية في كلية الآثار والسياحة بجامعة المرقب الحكومية، قوله إن المناطق الأثرية شرق ليبيا تتوزع على منطقة توكره بمدينة بنغازي، وفي مدينة البيضاء، وبلدة شحات بالجبل الأخضر وبلدة طلميثه شمال شرقي ليبيا، وآثار تلك المناطق التي تعاقب عليها اليونانيون والبونيقيون والفارسيون والبيزنطيون، والرومان، لا تزال مدفونة تحت الأرض.

ونوه عطية، بأن “مليشيات حفتر” كونها المسيطرة على شرق ليبيا، يفترض أن تحمي تلك المناطق، مؤكدا أن انحسار مراقبة جهاز الشرطة السياحية وحماية الآثار، وتوقف أعمال المسح وتحديد الأماكن المستهدفة، أديا إلى نشاط عصابات التنقيب عن الآثار في الأراضي المشاع، وهو ما يتضح في رواج التجارة غير المشروعة على مواقع التواصل الاجتماعي.

ولفت إلى تقرير الجمعية الأمريكية للبحوث الخارجية (ASOR)، في 31 ديسمبر 2020، بعنوان “حالة التجارة غير المشروعة والنهب للآثار الليبية 2011-2020″، الذي أوضح أن “فيسبوك” المنصة الأبرز للعرض والطلب على الآثار الليبية المنهوبة، وأن الليبيين استخدموا وسائل التواصل الاجتماعي كسوق لبيع الآثار الليبية وأن بعضهم يعرض قطعًا أثرية للبيع على صفحاتهم الشخصية.

ووثق التقرير الأمريكي، الذي شارك فيه خبراء ليبيون، وأعد بدعم من المكتب الخارجي لسفارة الولايات المتحدة في ليبيا، صورة “فسيفساء” أثرية نشرها مستخدم في 25 يناير 2020، ضمن مجموعة على فيسبوك لتهريب الآثار تضم أكثر من 453 ألف عضو، وطلب المنشور استفسارات حول ما إذا كان الاكتشاف علامة على وجود كنز، وكانت الردود الأولى بأن ألواح الفسيفساء نفسها كنز، وعليه أن يحرص على عدم كسرها.

ورصد من خلال معلومات الملف الشخصي العام للمذكور أن موقعه بنغازي، وصورة ملفه الشخصي تظهره بالزي العسكري، وتشير “الإعجابات” في ملفه الشخصي إلى دعم قوات حفتر، معلقا بأن هذه البيانات قد تشير إلى أن كاتب المنشور عضو في الجيش، بحسب التقرير.

كما تمكن من توثيق صفحتين على فيسبوك تعرضان لقى أثرية للبيع، الأولى عرض فيها صالح اسويري، ضابط بأركان البحرية التابعة لقيادة حفتر، قطعا نقدية قديمة، على صفحة خاصة تحمل اسمه، والثانية تحمل اسم “بيع وشراء تحف وآثار قديمة في بنغازي” نشر فيها، شخص يعرف نفسه بأنه عنصر في القوات الخاصة، وينشر صورا أثناء مشاركات قتالية، يدعى شريف المسماري، نشر صورة إبريق أثري للبيع، يقول إن تاريخه يعود إلى ما قبل 800 سنة.

ووثق التقرير أثرية المقتنيات التي عرضها الضابط اسويري، من خلال عرضها على الخبير جمال الكاتب، حيث أبدى ملاحظات أولية تشير إلى كونها أصلية وتعود للفترة الرومانية، مشيرا إلى أنه خلال الفترة من 2011 وحتى 2020، تعرضت الآثار الليبية المخزنة في البنك التجاري الوطني بمدينة بنغازي، ومتاحف سوسة ومصراته، وبني وليد، للنهب، بما مجموعه 9800 قطعة من مواقع متنوعة، بما في ذلك مقتنيات كل من معبد أرتميس في مدينة قورينا بالجبل الأخضر وقصر الأعمدة الهلنستي Ptolemais في طلميثة.

وتابع بأنه تم التنقيب عن الكثير من المنهوبات قبل الحرب العالمية الثانية، وتضمنت 364 عملة ذهبية و2433 قطعة نقدية فضية و4484 من العملات البرونزية، أغلبها من الفترات اليونانية، والرومانية والبيزنطية وبعض العملات المعدنية الإسلامية، والمجوهرات القديمة مثل الأقراط الذهبية وأعمال النحت ومنها النقوش ورؤوس التماثيل الصغيرة، وفق تقرير “حالة التجارة غير المشروعة”.

ونقل التقرير عن عبد العال الصوي، رئيس قسم المسروقات السابق بمصلحة الآثار شرق ليبيا، تأكيده أنه سبق وجرى نهب 10 آلاف مسكوكة قديمة من المصرف التجاري في بنغازي، وخمس أوانٍ فخارية من متحف مدينة سوسة في عام 2016، وتمثالين حجريين من متحف سلطان، شرق سرت في عام 2017، مشيرا إلى أن مصلحة الآثار تتابع بالتنسيق مع منظمة اليونسكو والإنتربول، من أجل منع بيع الآثار الليبية المسروقة في الأسواق العالمية.

وأشار إلى تأكيد أحد موظفي قسم المناولة والتخزين بميناء بنغازي، طلب عدم الكشف عن هويته، أن تهريب الآثار الليبية يتم عبر الموانئ، وأن لديه القدرة على المساعدة في تهريب أي قطعة أثرية من خلال توصيلها إلى متن سفن بميناء بنغازي، فيما كان يحتفظ على هاتفه بصور للقى أثرية تم تهريبها، منها سيف عليه نقوش إسلامية، ومخطوطة لمصحف، ومخطوطة باللغة العبرية مع حافظتها الخشبية.

وبحسب التقرير، أكد الخبير جمال الكاتب، بشكل أولي، بعد عرض الصور عليه، أن السيف يعود للفترات العثمانية في ليبيا بحسب نقوشه، أما المخطوطات فلا يمكن معاينتها من خلال الصور، إذ يتطلب الأمر معرفة نوع الورق والأحبار المستخدمة في كتابتها.

ونقل التقرير عن مراجع العبيدي، صاحب متجر لبيع المقتنيات القديمة والأنتيكات في بنغازي، قوله إن من بين طرق التهريب، منفذ السلوم الحدودي مع مصر أو عبر مطار بنينا الدولي في بنغازي.

ووفقا للتقرير، اعترف جبريل أحمد، مدير مديرية أمن مدينة مساعد، المشرفة على منفذ السلوم، بوقوع تجاوزات في السنوات الماضية، بسبب انشغال القوات المسلحة في حربها على الإرهاب وحشد قوتها العسكرية والأمنية من أجل هذا الهدف، لكنه نفى تساهل مسؤولي منفذ السلوم مع جرائم التهريب.

وأضاف أن لصوص الآثار استفادوا من الانقسام الحكومي الذي أدى إلى ضعف جهاز الشرطة السياحية وحماية الآثار، ومصلحة الآثار والتي لا تستطيع مسح المناطق التي يحتمل وجود آثار فيها والتنقيب بشكل شرعي وتسجيل ما يتم العثور عليه رسميا، فضلا عن ضعف سيطرة الدولة وانشغال مختلف الأطراف بالصراع المسلح.

ولفت إلى وجود تداخل في الصلاحيات بين مصلحة الآثار والشرطة السياحية، حيث يلقي كل منهما بالمسؤولية على الآخر، بحسب الصوي، الذي يشير إلى ضرورة تحديد المهام والصلاحيات بين أجهزة الدولة المعنية بالآثار، ويقول: “يفترض أن تحدد مهمة مصلحة الآثار بالجانب العلمي والبحثي حول الآثار، وتُوكل مهمة حماية الآثار ومواقعه للشرطة السياحية”، مضيفا: “للقيام بذلك تحتاج لدعم كبير لإنجاز أعمالها”.

ونقل عن الخبير القانوني، أحمد المقصبي، محامٍ وأستاذ سابق في كلية الدراسات العليا للعلوم الأمنية التابعة لوزارة الداخلية، إشارته إلى أن تساهل السلطات حيال عرض الآثار على الإنترنت يزيد الظاهرة، وللأسف الانتهاكات المروعة بحق من يعارض مسلحي حفتر في الشرق الليبي تمنع أي محاولة جادة لوقف الأمر”، بحسب التقرير.

وأضاف أن القانون رقم 3 لعام 1994 لحماية الآثار والمتاحف، لا يمكن تفعيله بحسب المقصبي، الذي يتساءل كيف يمكن للجهات القضائية إثبات حالة الجرم بحق المهرب أو الذي يعمل على نبش المواقع الأثرية في حال كان من بين المسلحين، كما أن القانون لم يحدد وضع الآثار المنتشرة في الأراضي المشاع.

ولفت إلى أن قانون الآثار لم يسم الجهة المشرفة على الآثار وحمايتها بل جعل تبعيتها للجنة الشعبية العامة، مضيفا أن السلطات التشريعية عليها الاهتمام بالظاهرة وتطوير القانون وفي مرحلة لاحقة تفعيل آليات منع نهب تاريخ ليبيا، بحسب المقصبي.

——-
ليبيا برس