طارق متري: رحيل القذافي كشف مخاطر التشرذم التي تعاني منها ليبيا ومجلس الأمن لم يقدم مساعدة في استعادة الدولة

قال الممثل السابق للأمم المتحدة في ليبيا، طارق متري، إن الانتقال من الأنظمة الاستبدادية إلى الديمقراطية، أثبت في جميع أنحاء المنطقة، ولا سيما في ليبيا، أنه أكثر صعوبة مما كان متوقعًا.

وأوضح متري، في حوار مطول مع “مركز كارنيغي للشرق الأوسط”، أن العملية السياسية المزعومة في ليبيا فشلت بعد الصراع في تحقيق التهدئة أو المصالحة أو بناء الدولة، بدءًا بالمؤسسات الأمنية والقضائية.

ولفت إلى أن رحيل معمر القذافي، كشف مخاطر التشرذم التي تعاني منها ليبيا، مبينًا أن المجتمع الدولي وتحديداً الدول التي تدخلت عسكرياً في عام 2011م، ومجلس الأمن، لم يكن قادراً على منع مخاطر التفكك الفعلي ولم يقدم مساعدة كبيرة في استعادة وحدة ليبيا وبناء مؤسساتها مرة واحدة.

ورأى أن الدور الغربي في الإطاحة بالأنظمة الاستبدادية في العالم العربي غالبًا ما يكون مبالغًا فيه، وفق تعبيره، منوهًا إلى أن ليبيا كانت حالة استثنائية لم تتكرر ولا يمكن أن تتكرر.

وبين متري، أن الحملة الغربية تذرعت بمسؤولية المجتمع الدولي عن حماية السكان المدنيين، بينما كان لها مجموعة متنوعة من الدوافع الإضافية، مؤكدًا أن تغيير النظام، مهما كان لا مفر منه، لم يتبعه استقرار.

وذكر أنه بمجرد سقوط النظام وسحق قواته العسكرية سارعت القوى التي تدخلت في ليبيا إلى الانسحاب، مخلفة وراءها حالة من الخراب والفوضى، منبها إلى أن عدم استعداد تلك القوى لتحمل المسؤولية الكاملة عن أفعالهم، لم يضعف فقط شرعية التدخل العسكري ولكنه أضعف أيضًا مبدأ “مسؤولية الحماية”.

وبرأيه فإن العودة إلى النظام القديم في ليبيا، أو إلى تغيير مجدد في النظام القديم، يبدو مستبعدًا تمامًا، والمواطنون في ليبيا يتوقون إلى حقبة من الاستقرار، بغض النظر عما إذا كانت تحت حكم نظام قمعي.

وتابع: “حنينهم هذا لا يعبر بالضرورة عن نفسه من الناحية السياسية والانتخابية ، ولا توجد مؤشرات واضحة على أن هؤلاء الأفراد يشكلون أغلبية”.

وأضاف: “بعد فترة وجيزة من التدخل العسكري في عام 2011م، أصبحت ليبيا ساحة معركة خاضت فيها الميليشيات، والعديد منها كتائب ثورية، حروبها الصغيرة، ولكن أيضًا حروب بالوكالة من قوى إقليمية، وفي حالات قليلة دولية”.

وكشف أن تركيا وروسيا لاعبان جديدان نسبيًا في ليبيا، على الرغم من مشاركتهما عسكريًا بطريقة غير مسبوقة من خلال مرتزقة فاغنر، والجماعات المسلحة التي أرسلتها أنقرة بناءً على طلب حكومة الوفاق المنتهية ولايتها.

وتطرق المتري، إلى أن المجتمع الدولي طالب جميع المقاتلين الأجانب، بمن فيهم المرتزقة الذين جندهم حفتر من السودان وتشاد ودول أفريقية أخرى، بالانسحاب من ليبيا، لافتًا إلى أنه حتى يومنا هذا، لا يوجد ضغط كبير لضمان حدوث ذلك.

وأشار إلى أن العديد من الليبيين يأملون بأن تكون القيادة السياسية الجديدة التي قد تظهر من الانتخابات المقبلة في وضع أفضل لحشد الدعم الدولي لانسحاب القوات الأجنبية، مردفًا بقوله: “في هذا السياق، وبالنظر إلى الانفتاحات الأخيرة في المنطقة، قد تقرر تركيا حصر نفوذها في ليبيا في المجالين السياسي والاقتصادي”.

وشدد المتري، على أن غالبية الليبيين أعربوا مرارًا وتكرارًا عن رغبتهم في رؤية بلدهم أكثر اتحادًا مما نراه حاليًا، وهناك مجموعات أقلية، لا سيما في المنطقة الشرقية، اختارت ليبيا الفيدرالية.

وأفاد المتري، بأن هناك العديد من الأسباب للخوف من أن الانتخابات ستعمل على تعميق الانقسامات، موضحًا أن ليبيا طالما ظلت محرومة من قوة أمنية محايدة سياسيًا وقضاء مستقل، لذا فإن الانتخابات ليست بالضرورة خطوة إلى الأمام في الانتقال نحو دولة ديمقراطية وموحدة.

وأكمل: “في حالة عدم وجود تقاليد وثقافة ديمقراطية، يمكن أن تؤدي مسابقة الفائز يأخذ كل شيء إلى تفاقم الانقسامات وإحداث المزيد من الإقصاء”، مردفا بأن ليبيا بحاجة إلى عملية سياسية شاملة لبناء دولة موحدة ودولة فاعلة.

واختتم بالتأكيد أن الانتخابات في حد ذاتها ليست بديلاً عن السعي لإجماع وطني حول القضايا الرئيسية الخلافية بين الليبيين منذ عام 2011م، والتي تسببت في انقسامات في مؤسسات البلاد.
————
ليبيا برس