الشحّ: ما حدث في تونس رسالة لليبيين بأنه حتى مع وجود الدستور، فالانقلاب عليه أمر وارد جدًا

اعتبر المستشار السياسي السابق في مجلس الدولة الاستشاري، أشرف الشحّ، أن ما حدث في تونس وما قام به الرئيس قيس سعيد أمر خطير جدًا وقد يُنبئ بمستقبل أكثر خطورة على العملية السياسية بتونس، لافتًا إلى أن ذلك يتنافى أيضًا مع كل المبادئ والأعراف الديمقراطية وأن تتركز كل السلطات بيد رجل واحد بغض النظر عن الدوافع.

وأوضح الشحّ، في لقاءه مع برنامج “تغطية خاصة” عبر فضائية “ليبيا الأحرار”، أنه بمعزل عن كل ما يحدث في ليبيا ومستقبل العملية السياسية هناك، وبغض النظر عن من يؤيد ومن يعارض قرارات الرئيس التونسي، وبعيدًا عن التصنيفات والمسببات لحالة الانسداد السياسي التي مرت بها تونس خلال السنوات الماضية بعد الانتخابات الأخيرة فى عام 2019م، وفشل الطبقة السياسية في الخروج بحلول تضع حدًا لهذا التدخل، إلا أن ما قام به قيس سعيد أمر خطير جدًا ويهدد مستقبل العملية السياسية والاستقرار والتداول السلمي على السلطة.

وأشار إلى أن قيس سعيد استند في إعلانه على الماده 80 من الدستور التونسي، وهي لا تعطي الحق في تجميد مجلس نواب الشعب، ولا تعطي الحق في رفع الحصانة، وتولي منصب النائب العام أي تولي السلطة القضائية، مؤكدًا أن أغلب المشاهدين لم يطلعوا على المادة 80 من الدستور التونسي.

وتابع: “مهما كانت محاولة التسويق ومحاولة اللعب على الجهل في النصوص، وعدم قراءة النصوص ومتابعة الناس لما هو مكتوب، لأن هناك الكثير صدعوا رؤوسنا بأنه يجب أن يكون هناك دستور، فالأهم من وجود الدستور هو احترام ذلك الدستور وعدم الحنث باليمن، واتباع الأسس التي أقسم عليها كل مسؤول انتخبه الشعب لأداء مهمة معينة دون أن يتغول على صلاحيات وعلى مهام لم ينتخبه الشعب من أجلها”.

وأكد الشحّ، أن: “قيس سعيد ليست لديه القدرة أو الخبرة للقيام بكل هذا، وما يحدث في تونس مُدبر من غرفة عمليات واحدة”، مشدداً على أن ما قام به هو انقلاب تدريجي المراد منه السيطرة او تركيز السلطات بيد رجل واحد اقتداءً بالأنظمة العربية الغابرة التي خلفت هذا الوطن العربي طيلة العقود الماضية.

وذكر الشحّ، أنه: “بالعودة بالذاكرة إلى انتخابات 2019م، كان هناك مرشحين في الجولة النهائية وهما نبيل القروي وقيس سعيد الذي يتبع السلك القضائي ولا ينتمي لأي فصيل، وعندما تولى قيس سعيد كان مرتبكاً في بداية عهده لأنه دون سابق خبرة، وجاء بمنطلقات ومبادئ الشعارات القومجيه الفضفاضه، حيث لم يرد الاعتراف بالكيان الصهيوني، وغيره”.

وواصل “كان الجيش التونسي طوال السنوات الماضية خارج كل التجاذبات السياسية منذ 2011م، ولم يتدخل في أي حراك سياسي وتوقف عند حماية الشعب وحماية الحدود فقط، ولكن عمل قيس سعيد خلال الأشهر الماضية على تغيير قياداته تمهيدًا للخطوة التي قام بها”.

وشدد الشحّ على أن ما قام به قيس سعيد هو حنث بالقسم وتجاوز واضح لنصوص الدستور التونسي، بمنع مجلس نواب منتخب من الشعب بغض النظر عن من يقوده النهضة أو أي كان، قائلاً: “هؤلاء أناس انُتخبوا كما أنتخب الرئيس، وكل منهم مهامه بمرجعية دستورية يحددها دستور استفتى عليه التونسيون، وأقسم عليه كل من ربح الانتخابات باحترامه وعدم تجاوز نصوصه”.

ورأى الشحّ أن قيس سعيد قام برفع الحصانة وتولى مهام النائب العام، لأنه يريد خلال الثلاثين يومًا أن يحرك الدعوة الجنائية ضد هؤلاء النواب، لكى لا يعودوا لممارسة مهامهم مرة أخرى، لافتاً إلى أنه لا يعقل بعد كل هذه الإجراءات أن يعود مجلس النواب لأنه وفقاً للمادة 88 من الدستور التونسي يحق له بأغلبيه معينة عزل الرئيس، مردفًا بقوله “عودة مجلس النواب تهديد لموقع قيس سعيد”.

وبين الشحّ أن ما قام به قيس هو مشروع جاء بشكل تدريجي، عن طريق إصدار كل يوم قرار جديد لجس النبض ورؤية ردود الأفعال خاصة الدولية والاقتصادية، لأن تونس وضعها الاقتصادي والمساعدات التى تأتيها والمؤسسات المالية الدولية لها تأثير مباشر على اقتصادها، وهناك تخوف من اتخاذ إجراء بشكل صادم قد يهدم الوضع الاقتصادي ويجعل الخطوة كلها تنهار.

وفيما يخص تعليق بعد الشخصيات في ليبيا على الأحداث في تونس مثل حفتر والمشري، قال الشحّ: “تلك المواقف إذا كان منطلقها المبدأ والأسس فهي مقبولة، أما إذا كان منطلقها الجماعة والحزب فهو غير مقبول ولا يعنينا”، مشيراً إلى قيام البعض بتصنيف المؤيدين والمعارضين لما حدث في تونس، فكل من يعارض ما حدث هو إخواني، ومن يؤيد هو ديمقراطي متحرر يريد التقدم وإنهاء الحركات المتطرفة، وهذا توصيف مبتذل وسطحي لأشخاص لا يهمهم سوى توجيه الاتهامات، من وجهة نظره.

واستطرد: “المشري عندما قال إنه انقلاباً فإذا كان دفاعاً عن المبدأ فكلامه صحيح، أما إذا كان دفاعاً عن جماعه أو حزب فهو أمر يخصه ولا يعنينا، وحفتر من الطبيعي أن يؤيد ما حدث لأنه حلمه من 2014 فمصطلح التجميد أول من استعمله كان حفتر ويعتبر مصطلح جديد في القيام بالانقلابات على شاكلة انقلابات القرن الماضي”.

وشدد الشحّ في حديثه على أن الدفاع عن المبادئ لا يقبل التعامل مع مثل هذه الأحداث بمبدأ ما يطلبه المستمعون، فإن لم تكن النخب لها مواقف واضحة مبنية على مبدأ وأساس غير قابل للمداهنة والمهادنة فقد تصاب بداء الانفصام.

وتساءل الشحّ حول تصريح الرئيس التونسي قيس سعيد بأن هذه الإجراءات مؤقتة لمدة ثلاثين يوما كما تنص عليه المادة أو القانون رقم 80 من الدستور قائلاً: “هل بعد تلك المدة سيسمح للبرلمان بالعودة للعمل كما كان في السابق، وما هي الإجراءات التي ستحل الأزمة التونسية خلال ثلاثين يوماً إن لم يُحل هذا البرلمان وتتم الدعوة إلى انتخابات؟”.

وأردف الشحّ “أن عملية التجميد المقرونة برفع الحصانة وتولى مهام النائب العام المسؤول عن تحريك الدعوة الجنائية (باكدج) كامل لإنهاء أمر البرلمان التونسي بطريقة غير مباشرة، أي إنهاء إرادة شعب، على حد تعبيره.

وبالانتقال الى مدى تأثير ما حدث في تونس على الأزمة الليبية، أكد الشحّ أن ما حدث في تونس سوف يعطي رسالة واضحة أنه حتى مع وجود الدستور، فالانقلاب عليه والحنث باليمين واتخاذ الإجراءات المخالفة والرجوع إلى عصور ما قبل الديمقراطية أمر وارد جدًا، فما بالك بمن يريد إجراء انتخابات رئاسية دون قاعدة دستورية وأساس دستوري واضح وفصل واضح بين السلطات.

وأضاف أنه يوضح أيضًا الكثير من المخاوف التي كان يتكلم عليها الكثيرون، وأنه حتى مع ترسيم حدود الصلاحيات هناك من يتغول عليها، متمنيًا أن تتم الانتخابات في موعدها لإنهاء هذا الانقسام ونعيد الأمانة لأصحابها.

واختتم الشحّ بالتأكيد على أن المشكله الحقيقية هي في ثقافة احترام النصوص، والمجتمعات العربية لم تصل بعد إلى تلك الثقافه، لافتاً أن المشكلة لن تحل بتولي رئيس أو برلمان، قائلاً: “نحن في حاجة إلى احترام حدود الصلاحيات وترسيم نظام ديمقراطي لا تتركز فيه السلطات في شخص واحد لأن السلطة المطلقه مفسدة مطلقه مهما كان الشخص نزيهًا”.

——–
ليبيا برس

الإخوانتونسمجلس الدولة الاستشاري