بعيو: التاريخ حين يسخر.. يـوم طلب القذافي الترشح للانتخابات الإيطالية واليوم ننتظر قانون الانتخابات من روما

قارن الرئيس السابق للمؤسسة الليبية للإعلام محمد بعيو بين ما كانت عليه ليبيا في عهد العقيد الراحل معمر القذافي وما أضحت عليه من حالة التردي والتبعية التي وصلت إليها الآن، لاسيما بعد استضافة إيطاليا اجتماعات ليبية ليبية، غرضها الاتفاق على القاعدة الدستورية، في حين تحدى القذافي لروما بإعلانه في العام 1996م الترشح للانتخابات الإيطالية.

وأكد بعيو، في تدوينة عبر صفحته على موقع التواصل الإجتماعي “فيسبوك”، أنه “في ربيع 1996م، عندما كان مديرا للإدارة العامة للإعلام الخارجي، التابعة للجنة الشعبية العامة للإعلام والثقافة، التي كانت أمينتها آنذاك فوزية شلابي، تلقى مكالمة من مكتب المعلومات بالقيادة، تطلب دعوة رؤساء تحرير أو مندوبين عن الصحف الإيطالية الكبرى، لاريبوبليكا، ولاستامبا، وكوريري دي لاسيرا، ووكالة الأنباء الرسمية الإيطالية آكي، لإجراء حوار صحفي مفتوح مع القائد الشهيد”.

وأشار أنهم وجهوا الدعوات عن طريق السفارة الليبية بروما، عبر اللجنة الشعبية العامة للاتصال الخارجي، وكانت لـيبـيا آنذاك تحت الحصار الجوي، فتم ترتيب وصول الصحفيين الإيطاليين عبر تونس جربة، ثم براً إلى طرابلس بسيارات المراسم، ليتحدد الموعد في اليوم التالي بمدينة ســرت بعد العصر بمقر كتيبة الساعدي.

وأوضح أن دلالات اختيار التاريخ مرتبطة بالغزو الإيطالي الفاشي لليبيا قبل 96 عاماً، وقبل 15 عاما من توقيع الاتفاقية التاريخية بين ليبيا وإيطاليا بمدينة بنغازي في 31 أغسطس 2008م، والتي اعترفت فيها إيطاليا بمسؤوليتها الأخلاقية عن غزو ليبيا وقدمت الاعتذار رسميا، وقبلت مبدأ التعويض في سابقة لم تُقدم عليها دول الاستعمار الأوروبي القديم والإمبريالية الاستعمارية الحديثة.

وذكر أن الصحفيين الإيطاليين كانوا متلهفين إلى إجراء الحوار مع العقيد الراحل، الذي كان يتعامل مع إيطاليا بنوع من الشك الشخصي المختلط بالتعالي والخطاب الشعبوي المؤثر، وتتعامل معه إيطاليا ببراغماتية شديدة لأهمية ليـبيا الاستثنائية في السياسة الإيطالية بحكم مقتضيات الجغرافيا والتاريخ، والنفط والغاز، حيث تتمتع شركة إيني بمعاملة تفضيلية استثنائية، وحيث الغاز الليبي.

وبين بعيو أنه دخل صحبة الصحفيين الإيطاليين الخمسة، وكان من بينهم صحفي مصري إيطالي، إلى الخيمة المنصوبة بساحة كتيبة الساعدي بمنطقة بوهادي على أطراف سرت الجنوبية، حيث استقبلهم القذافي بترحاب دون أن ينسى السؤال من خلال المترجم عن أسماء الصحفيين ومن يمثلون من صحف، يبدو واضحا أنه يعرفها جيدًا.

وتابع: “جلس الجميع منصتين إلى ما يريد أن يقوله الرجل المحاصر ضمن حصار لـيـبيا وشعبها، بسبب عقوبات الأمم المتحدة بعد اتهام النظام بالمسؤولية المباشرة والتورط في إسقاط طائرة الركاب الأمريكية، التابعة لشركة بان أميركان، فوق بلدة لوكربي الأسكتلندية أواخر سنة 1988م”.

واسترسل: “قال القذافي إنه دعاهم ليعلن من خلالهم رغبته في الترشح للانتخابات العامة في إيطاليا، بحكم كونه مواطناً إيطاليا، مثله مثل كل الليبيين بموجب قانون صادر زمن الحكم الفاشي، يقضي بضم ليبيا إلى إيطاليا، واعتبارها جزء من أراضي ومياه وأجواء إيطاليا، وفرض الجنسية الإيطالية على الليبيين، وتجنيدهم إجبارياً في الغزو الإيطالي للحبشة، وفي الحرب العالمية الثانية، لأن هذا القانون لم يتم إلغاؤه، وأنه بموجبه وبموجب المراسيم المماثلة له يعتبر مواطناً إيطالياً، من حقه الترشح والتصويت والتمتع بكل حقوق المواطنة الإيطالية”.

وأفاد بأن الصحفيين كانوا متحمسين للحوار مع القذافي، بل وقبلوا بحوار جماعي لصحف متنافسة، تبحث كل منها عن سبق يخصها ويزيد توزيعها وعوائد إعلاناتها، وقد توقعوا أن يستعموا منه إلى أخبار ومعلومات تمثل سبقا في مسائل تتعلق بالنفط والغاز، وبالحصار، وبالهجرة غير الشرعية، وبالعلاقات الليبية الإيطالية، لكنه فاجأهم بالكلام عن موضوع بعيد تماماً وغير متوقع، بل ومنسي من الذاكرة الإيطالية، وربما مجهول من إيطاليي الحاضر.

وواصل: “أفاض معمر القذافي في الحديث في ذات الموضوع، ولم يُعط الصحفيين الإيطاليين أية فرصة للأسئلة والحوار في مواضيع أخرى، وأنهى اللقاء الذي استغرق نحو ساعة بتوجيه الشكر لهم والاعتذار منهم عن مشاق السفر، وانتهت الرحلة الصحفية الجماعية إلى لا شيء، بالنسبة للصحافة الإيطالية، التي لم تتوقع أن يكون سبب تلك الدعوة العودة إلى تاريخ مضى وانتهى”.

وأكمل: “طبعاً لم يكن معمر القذافي جاداً في كلامه عن كونه مواطناً إيطالياً، لكنه ربما أراد وفي شدة خناق الحصار والخوف من المجهول، حـث إيطاليا على كسر الحصار، وعدم الامتثال للعقوبات، والتعامل بانفتاح أكبر مع لـيـبيا، وهو مالم يتحقق، فإيطاليا أضعف من أن تتحدى أو حتى تُقنع أمريكا وأوروبا بإعطائها فرصة في الانفتاح على جارتها المتوسطية الجنوبية المحاصرة”.

وأشار بعيو إلى أنه يسوق هذه القصة، التي مضى عليها ربع قرن، في اليوم الذي تستضيف فيه روما اجتماعات ليبية ليبية، غرضها الاتفاق على القاعدة الدستورية وقانون الانتخابات، وكأنما لروما الاستعمارية القديمة قليلة الأهمية في أوروبا وفي السياسة الدولية الآن، ذلك الشوق أو الشبق المتبادل بينها وبين ضحاياها الليبيين، ورثة الأجداد الذين عانوا استعمارها ومشانقها ومعتقلاتها وقصف طائراتها.

واتم متسائلاً “هل ستنجزون في روما أيها الذاهبون إليها ما لم تنجزوه وتقوموا به في طبرق وطرابلس وتونس وجنيف، وهل سينتظر الليبيون الغلابى البشرى باعتماد القاعدة الدستورية والقانون الانتخابي؟”.

———-

ليبيا برس