أكد وزير الخارجية التونسي السابق، ورئيس المجلس التونسي للعلاقات الدولية، خميس الجهيناوي، أن ليبيا وتونس ما زالتا على مفترق طرق بعد عشر سنوات من انتفاضتيهما، لافتاً أن أمن كلا البلدين مرتبط ببعضه البعض، لدرجة أن نجاح العملية الديمقراطية في تونس والانتعاش الاقتصادي للبلاد، يعتمدان إلى حد كبير على التطورات في ليبيا.
وأشار في مقال له بصحيفة “العرب” السعودية الناطقة بالإنجليزية، أن ليبيا تفتح فصلاً جديداً من انتقالها السياسي، من خلال تشكيل حكومة مؤقتة جديدة، والتي يجب أن تواجه المهمة الضخمة المتمثلة في تأمين وتوحيد بلد منقسم بشدة وتمهيد الطريق لإجراء انتخابات عامة مقررة للولاية، نهاية السنة.
وأضاف أن هذا ما يحدث في ليبيا، في الوقت الذي تكافح فيه تونس من أجل توطيد ديمقراطيتها في سياق أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية خطيرة ، زاد من تعقيدها جائحة مدمر، مؤكداً أن تونس لا تزال تختبر أيضًا الحوكمة السياسية التي أنشأها دستور 2014 ، وهو نظام شبه برلماني له فروع تنفيذية مزدوجة غير قادرة على إدارة واحتواء صعود الاتجاهات الشعبوية بينما تسعى الدولة جاهدة لإقامة علاقات طبيعية ومتوازنة بين مختلف المؤسسات السياسية.
وأوضح الجهيناوي، أن ليبيا وتونس متشابكان في الواقع بسبب الجغرافيا لأنهما يشتركان في حدود تبلغ 461 كيلومترًا، كما أنهم يتشاركون في روابط إنسانية وثقافية وعرقية قوية متجذرة في التاريخ، مع إمكانية إعادة العلاقات الطويلة الأمد إلى العصر الفينيقي؛ إذ كانت الأولى ملاذًا للثانية في حال احتياجها لأي دعم في كافة الجوانب.
ووفقًا للمقال حافظ البلدين على مدى السنوات على تعاون وثيق واتصالات إنسانية مكثفة حيث اعتاد التونسيون اللجوء إلى ليبيا كلما شعروا بالتهديد في الوطن، لاسيما أثناء الاستعمار الفرنسي، وبالمثل سعى الليبيون غالبًا إلى الأمن وحياة أفضل في تونس أثناء غزو واحتلال الإيطاليين لبلدهم، مشيرًا أن غالبًا ما تكون العديد من العائلات من نفس الأصول القبلية حتى لو كانوا يعيشون على جانبي الحدود.
وتحدث المقال عن فترة حكم العقيد معمر القذافي حيث كانت العلاقات متوترة في الكثير من الأحيان خلال فترة الرئيس الحبيب بورقيبة، في حين تحسنت هذه العلاقات بشكل كبير في عهد الرئيس زين العابدين بن علي، مبينًا أن العلاقات الثنائية اتخذت منعطفًا حاسمًا آخر بعد العام 2011.
وأضاف أن الحكومة في تونس تحركت لتأمين حدودها مع جارتها الجنوبية في العام 2011، مخافة امتداد الصراع العسكري فيها للأراضي التونسية، مشيرًا إلى أنها سعت إلى بدء اتصالات مع مختلف أصحاب المصلحة الليبيين للتأثير على نتيجة الثورة الليبية وتجنب امتداد الصراع العسكري إلى الأراضي التونسية.
وتطرق المقال إلى أن الغالبية العظمى من السكان الليبيين تتركز في الجزء الغربي من البلاد، بالقرب من تونس جغرافيًا، مما يجعل تونس إحدى الوجهات المباشرة للعديد من الليبيين الباحثين عن العلاج الطبي أو الإجازات، لاسيما بعد أن بقيت الحدود التونسية مفتوحة مع ليبيا من بين كافة الدول الجارة الأخرى.
ولفت إلى أن معظم الليبيين الذين يسافرون إلى الخارج يستخدمون المطارات التونسية كنقطة عبور إلى وجهات أخرى، فيما لجأ أكثر من مليوني ليبي ولاجئ أجنبي فروا من العنف في 2011 إلى تونس لأشهر، حتى أن البعض استقر منذ ذلك الحين في تونس للاندماج بسلاسة مع السكان المحليين.
وأكد أنه لا داعي لإعادة التأكيد على الأهمية القصوى لليبيا بالنسبة لتونس، فأمن كلا البلدين مرتبط ببعضه البعض، لدرجة أن نجاح العملية الديمقراطية في تونس والانتعاش الاقتصادي للبلاد يعتمدان إلى حد كبير على التطورات في ليبيا.
وتطرق إلى أنه خلال أزمة ليبيا في الفترة من 2011 إلى 2014، لعبت تونس دورًا رئيسيًا في تزويد السوق الليبي بالضرورات الأساسية، ساهم بشكل كبير في التخفيف من ندرة العديد من المنتجات، بما في ذلك المواد الغذائية وتلبية الاحتياجات العاجلة، وكانت لسنوات عديدة، ليبيا الشريك الاقتصادي الثاني لتونس بحوالي 2.5 مليار دينار في التجارة، وإلى جانب ذلك ، تطورت التجارة غير الرسمية، بما في ذلك جميع أشكال التهريب، من كونها مقبولة بشكل أساسي قبل عام 2011 لتصبح مصدرًا رئيسيًا للدخل للعديد من المجتمعات على جانبي الحدود.
وعاد وذكر أن أنشطة التهريب تلك، باتت تشكل تهديدًا خطيرًا لاستقرار وأمن المنطقة بأكملها، وشملت الأنشطة غير المشروعة الاتجار بالأسلحة وأشكال أخرى من الأنشطة الإجرامية عبر الحدود.
وعدد كذلك، أمثلة تُظهر التشابك الاستثنائي للاقتصادين التونسي والليبي، ومدى اعتماد الاقتصاد التونسي على ليبيا، والتي جاءت على النحو التالي:
1- يختار ما يقرب من 1.7 مليون سائح ليبي المنتجعات التونسية كل عام، مما يجعل ليبيا ثاني سوق سياحي لتونس بعد الجزائر.
2- اعتاد حوالي 100 ألف تونسي العيش والعمل في ليبيا، وغادر معظمهم حوالي 60 ألف البلاد في عام 2011، ولم يتمكنوا من العودة منذ ذلك الحين، مما حرم اقتصاد بلدهم من العملة الأجنبية التي تشتد الحاجة إليها.
3- أثرت الأزمة الليبية سلبًا على تدفق الاستثمارات الأجنبية، وقلصت كذلك من العدد الكبير تقليديًا من السياح الراغبين في قضاء عطلاتهم في تونس، وفي الواقع، انخفضت الاستثمارات الليبية بنسبة 60٪ تقريبًا في قطاع السياحة وانخفض التدفق السياحي بشكل كبير بعد الهجمات الإرهابية في عامي 2015 و2016 التي تورط فيها متطرفون تونسيون على صلة بليبيا.
ولفت إلى أن البنك الدولي يُقدر أن الأزمة الليبية وراء 24٪ من تباطؤ النمو الاقتصادي في تونس خلال 2011-2015، ومنذ ذلك الحين، زاد هذا الرقم بشكل كبير، وهذا يعادل 2٪ تقريبًا من الناتج المحلي الإجمالي الوطني سنويًا، وبحسب مركز برشلونة للشؤون الدولية، فإن حوالي ثلاثة ملايين تونسي يعتمدون على ليبيا إما من تحويلات العمال التونسيين أو من أنشطة السوق السوداء في المنطقة الحدودية.
وانتقل وزير الخارجية التونسي السابق، بالحديث عن الحدود بين البلدين، ذاكرًا أن أمن كلا البلدين متشابك إلى حد كبير، وأن غياب حكومة مركزية قوية في طرابلس ووقوع مخزونات الأسلحة الهائلة في أيدي الميليشيات المنتشرة في جميع أنحاء الأراضي الليبية، جعلها ملعبًا للعصابات المسلحة والجماعات المسلحة، وهو ما وفر ملاذًا آمنًا لآلاف الإرهابيين القادمين من أفريقيا وجنوب الصحراء أو منطقة الساحل، وكذلك أولئك الفارين من بؤر التوتر في سوريا والعراق.
وقال إن هيئات موالية لداعش والقاعدة أعادت تجميع صفوفها في ليبيا، بعد انتكاساتها في سوريا وأفريقيا جنوب الصحراء، مع إنشائها مراكز التجنيد والتدريب في ليبيا، تطورت لتصبح تهديدًا كبيرًا لتونس والدول المجاورة الأخرى وحتى لأوروبا.
وأوضح أنه من أجل مواجهة هذا الخطر الحقيقي على حدودها الجنوبية، لاسيما بعد الهجمات الإرهابية القاتلة في 2015-2016، عملت السلطات التونسية على مدى السنوات القليلة الماضية لتأمين حدودها، وتقع الحدود في منطقة عسكرية عازلة، وهي محمية في الوقت الحاضر بالبنية التحتية المادية بما في ذلك السياج الإلكتروني والخنادق ومراكز المراقبة والأبراج، بفضل الدعم الأمريكي والألماني، وتمت ترقية مراقبة الحدود لتشمل تقنية المراقبة الحديثة المعززة برحلات الطائرات بدون طيار العادية.
ولفت إلى أن هناك خطوات إضافية جارية لتحسين الأمن ورفع مستواه، من أجل زيادة عدم نفاذية الحدود ضد تسلل الإرهابيين وأنشطة التهريب، لكن السلطات حريصة على عدم التعامل مع التهديد الإرهابي على قدم المساواة مع أنشطة التهريب التجاري عبر الحدود.
وأشار إلى أن هذا التضييق بشكل منهجي يمكن أن يؤثر على مشغلي القطاع غير الرسمي إلى جعل الوضع الاقتصادي الصعب بالفعل للمناطق المعتمدة على التهريب ويصبح الوضع أكثر خطورة، لاسيما في المدينتين الرئيسيتين في الجنوب وهما مدنين وتطاوين والمناطق المجاورة، مضيفا أنه غالبًا ما يقال إن أخطر المخاطر الأمنية التي يشكلها النزاع الليبي على تونس لا تتمثل في عبور الأفراد للحدود ولكن بإغلاق حدود كاملة، ومثل هذا السيناريو، إذا تم تنفيذه بصرامة، يمكن أن يؤدي إلى موجة من الاضطرابات التي قد تتطور إلى احتجاجات مزعزعة للاستقرار في العديد من المناطق في المنطقة الحدودية التونسية.
وأضاف بقوله إنه لا تزال ليبيا مصدر قلق حيوي للأمن القومي لتونس، بسبب آثارها الضخمة على التنمية الاقتصادية للبلاد والاستقرار السياسي، إلى جانب المشاركة الدبلوماسية، حيث كانت استراتيجية الدفاع التونسية ضد التهديدات الحالية والمستقبلية مرتكزة من ليبيا بصورة تفاعلية إلى حد كبير وموجهة نحو الاحتواء.
وفي سياق آخر، ذكر أن الحكومات المتعاقبة في تونس، أولت اهتماما خاصًا بليبيا، بسبب إدراكها للتأثير المباشر للأزمة الليبية على الانتقال السياسي في البلاد والانتعاش الاقتصادي، وغالبًا ما تعكس مشاركة الفاعلين التونسيين وطبيعة الدعم الذي قدموه لفصائل سياسية مختلفة في ليبيا، انتمائهم الأيديولوجي والتوازن الهش داخل المجتمع التونسي نفسه.
وتطرق إلى دعم حزب النهضة التونسي، أحد أذرع جماعة الإخوان المسلمين للإسلاميين في ليبيا، بقوله إن راشد الغنوشي هنأ في مايو 2020 الرئيس السابق لحكومة الوفاق المُنتهية ولايتها فائز السراج والجماعات الإسلامية في طرابلس على انتصارهم العسكري على قوات خليفة حفتر، وجاءت تصريحات الغنوشي في وقت استعادت القوات الموالية لحكومة الوفاق السيطرة على قاعدة الوطية العسكرية، وتعرضت تصريحاته لانتقادات شديدة من قبل المعارضة التونسية، بل وأثارت دعوات من أعضاء البرلمان لإقالته من منصب رئيس البرلمان.
ولفت إلى أنه مباشرة بعد انتخابات 2014، سعت الحكومة التونسية إلى التواصل الفعال مع ليبيا، لكنها حاولت الحفاظ على مسافة متساوية من جميع الجهات الفاعلة الليبية، وكان هدف الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي والدبلوماسية التونسية في ذلك الوقت هو المساعدة في تمكين نوع من التقارب بين الفصائل المتحاربة سواء في الشرق أو الغرب ومع حفتر أو السراج، والعمل على تسوية سلمية للصراع من خلال الحوار في إطار بعثة الأمم المتحدة.
وحدد الدبلوماسي التونسي السابق، هدفان رئيسيان كانا لدي الدبلوماسية التونسية:
1- تجنب امتداد الصراع الليبي إلى الأراضي التونسية، من خلال زيادة مراقبة الحدود، لمنع تسلل الإرهابيين وتهريب الأسلحة والسلع إلى البلاد.
2- خلق ديناميكية جديدة بين جيران ليبيا، لاسيما الجزائر ومصر من خلال مبادرة رئاسية تربط الدول العربية الثلاث في شمال إفريقيا المتاخمة لليبيا وهي تونس والجزائر ومصر، في محاولة لتسوية سلمية شاملة للصراع، وكان المنطق وراء هذا المخطط هو المواءمة بين المواقف المصرية والجزائرية تجاه الصراع الليبي، ومحاولة التحدث بصوت واحد إلى مختلف الفصائل السياسية الليبية، بغض النظر عن انتماءاتها الأيديولوجية أو الإقليمية.
وألمح إلى أن المبادئ الأساسية التي أقرها منتدى الحوار السياسي المنعقد بتونس في نوفمبر 2020 واتفاق جنيف فبراير 2021، كان يحمل ذات المبادئ الخاصة بالمبادرة التونسية عام 2017، مشيرًا إلى أن تونس بصفتها عضوًا غير دائم في مجلس الأمن تتحمل مسؤولية خاصة، لمرافقة ليبيا خلال الفترة المتبقية المؤدية إلى الانتخابات العامة، وتواصل التأكيد لأعضاء المجلس الآخرين على أهمية إخراج ليبيا من المرحلة الانتقالية من خلال تنظيم انتخابات وطنية ديمقراطية وشفافة تجري كما هو مقرر.
وقال إنه يجب اتخاذ خطوات محددة لبلوغ هذا الهدف من خلال وضع الإطار الدستوري والقانوني اللازم والدعوة إلى انسحاب جميع القوات الأجنبية من ليبيا وإخراج الميليشيات المُسلحة من جميع أنحاء البلاد، مشيرًا إلى أنه على تونس أن تكون أكثر نشاطًا وصوتًا في الاجتماعات المختلفة المتعلقة بالأزمة الليبية ومتابعة توصيات مؤتمر برلين.
وانتقل بدوره، إلى نقطة أخرى، تتعلق بمساهمة تونس في إعادة إعمار ليبيا، مؤكدًا أن تونس في وضع جيد للمساهمة في توطيد السلام في ليبيا، والمشاركة في إعادة تأهيل مؤسساتها وإعادة بناء اقتصادها.
وأكد أن تونس تستفيد من ميزة نوعية مقارنة بمنافسيها، من خلال التاريخ الطويل للقطاع الخاص التونسي العامل بالسوق الليبي، والإطار القانوني الثري الموروث من عهد القذافي بن علي، والذي لا يزال ساري المفعول، ويمكن أن يساعد الشركات التونسية على استئناف أعمالها بسرعة في ليبيا، والقرب الجغرافي وتوافر شبكة طرق تقلل بشكل كبير من تكلفة النقل بين البلدين.
وأشار إلى أنه لسنوات، عندما كانت ليبيا تحت الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة من قبل مجلس الأمن في أعقاب قضية لوكربي (1988-2008)، كان القطاع الخاص التونسي في طليعة تلبية احتياجات ليبيا من السلع الاستهلاكية والمواد الغذائية، والمنتجات التونسية معروفة ومحل تقدير كبير من قبل المستهلكين الليبيين.
وأضاف بأن الشركات التونسية اكتسبت خبرة غنية في مشاريع الأشغال العامة في ليبيا، وتم التعاقد مع مئات المباني العامة والمشاريع الإسكانية من قبل رواد أعمال تونسيين، حيث سيوفر استئناف العمليات في ليبيا فرصًا جديدة للشركات التونسية المتضررة بشدة من الأزمة الاقتصادية المحلية ووباء كورونا، كما أنه سيفتح سوق العمل لعشرات الآلاف من الباحثين عن عمل.
وأوضح أنه يمكن تقديم مساهمة تونس في إعادة إعمار ليبيا بالترتيب التسلسلي التالي:
1- توفير الخبرة القانونية للإعداد الكافي لانتخابات حرة وشفافة، بدأها منتدى الحوار السياسي الليبي قبل نهاية العام، ويمكن أن يتراوح هذا من المساعدة في صياغة قانون انتخابي، إلى المساعدة في تشكيل الدوائر الانتخابية وتقديم المساعدة المطلوبة للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات، لتمكينها من أداء مهمتها وفقًا للمعايير الدولية للشفافية والمساءلة.
وقد تكون التجربة التي اكتسبتها تونس خلال السنوات العشر الماضية في الانتقال السياسي وفي إدارة الانتخابات الوطنية والمحلية الحرة، مفيدة في التحضير بشكل أفضل للاقتراع الليبي المقبل ووضع الخطوات المختلفة لخريطة الطريق المتفق عليها في اجتماع منتدى الحوار الوطني الليبي في نوفمبر الماضي.
ولفت إلى أنه على الرغم من أن تونس لا تزال تكافح من أجل تبسيط وتحديث خدماتها العامة، إلا أنها تستطيع مع ذلك الاستفادة من خبرتها الطويلة لتقديم الدعم الذي تحتاجه السلطات الليبية في الفترة الانتقالية.
كما يمكنها المساعدة في ضبط عوامل الحكم الرشيد والتشغيل السليم لمؤسسات الدولة، حيث يمكن تنفيذ هذه المهمة من خلال التعاون الثلاثي الذي يجمع تونس وليبيا والدول الديمقراطية المانحة، بالإضافة إلى المساعدة في تفكيك المليشيات وسحب السلاح للمساعدة في تشكيل وتوحيد الجيش الوطني الليبي وقوات الأمن.
2- يمكن للشركات التونسية أن تشارك في مشاريع البنية التحتية الكبرى في ليبيا، ويمكنهم المزايدة على المناقصات العامة المتعلقة بالإسكان والمباني العامة، خاصة في منطقة بنغازي المنكوبة وشرقي البلاد وكذلك في حي طرابلس، كما يمكنهم تلبية احتياجات السوق الليبي من السلع الاستهلاكية والمواد الغذائية وتزويد ذلك السوق بشكل منتظم بمنتجات ذات جودة وتنافسية.
وأكد أنه تبدو آفاق العلاقات التونسية الليبية واعدة بالفعل، حيث مهدت الزيارات الأخيرة التي قام بها الرئيس التونسي ورئيس الوزراء إلى طرابلس الطريق، لانطلاقة جديدة في التعاون الثنائي، فمن الواضح أن البلدين بحاجة إلى بعضهما البعض لتعزيز التحولات بينهما، خاصة وأن تونس في حاجة ماسة إلى الدعم المالي الليبي في شكل قرض أو وديعة في البنك المركزي التونسي، لمواصلة بثقة المناقشات التي بدأتها بالفعل مع صندوق النقد الدولي للسعي، للمرة الرابعة خلال عقد، للحصول على قرض لمدة ثلاث سنوات.
وألمح إلى أنه من جهتها، تتطلع ليبيا إلى خبرة تونس ومواردها البشرية للمساهمة في البرنامج الواسع للبناء المؤسسي وإصلاح قطاعها العام، حيث يمكنها أيضًا الاعتماد على تونس، بصفتها عضوًا غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حتى نهاية عام 2021، لتأمين الدعم الذي تشتد الحاجة إليه من المجتمع الدولي، أي الدول الخمس دائمة العضوية (الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والمملكة المتحدة وفرنسا والصين)، للانتقال الدقيق المؤدي إلى الانتخابات المقبلة.
وأضاف بأنه يمكن لليبيا أيضًا أن تتطلع إلى تونس، لتعبئة دول الجوار الأخرى، لاسيما الجزائر ومصر للوقوف إلى جانب حكومة الوحدة المؤقتة، لتهيئة الظروف المواتية للانتقال السلس إلى تسوية دائمة للأزمة بحلول نهاية العام، ومع ذلك، يتعين على القادة في كلا البلدين انتظار نتائج الانتخابات العامة المقبلة في ليبيا المقرر إجراؤها في 24 ديسمبر، لبدء أي نقاش هادف حول مساهمة تونس في مشاريع البنية التحتية الكبرى في ليبيا، وتتمثل المهمة الرئيسية للحكومة المؤقتة الحالية، كما حددتها اتفاقية جنيف، في تمهيد الطريق لانتخابات شفافة وديمقراطية في ليبيا بحلول نهاية العام.
وانتقل بحديثه عن الجهات الأجنبية الفاعلة في ليبيا، قائلا إنه تميزت الأزمة الليبية منذ عام 2011 بالتشابك المعقد للمصالح المختلفة والمتضاربة في كثير من الأحيان داخل وخارج ليبيا على حد سواء، وهذه الصراعات معقدة لحلها بسبب الانقسامات المؤسسية العميقة، وانعدام الثقة الذي تراكم على مر السنين، إلى جانب الاستراتيجيات المتباينة بين الجهات الليبية واللاعبين الدوليين.
وأوضح أنه لا يمكن الاستهانة بدور صناعة النفط والغاز في ليبيا، في إشعال الصراع وإدامته، لأنها المحرك الرئيسي للاقتصاد الليبي وتشكل حوالي 60٪ من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، كما أنه يخضع لمنافسة شرسة واضحة بين الفصائل الليبية والشركاء الأجانب.
وأكد أن التوزيع العادل للثروة، وتجنب تحويلها لتمويل المسلحين والميليشيات، وحل النزاعات المالية بين الجانبين المتنازعين في نفس الوقت، من الشروط الأساسية لجميع مبادرات السلام، ولاسيما تلك التي ترعاها الأمم المتحدة.
وقال إنه لا تزال القوى الأجنبية تلقي بثقلها على المسرح الليبي، مما يجر الصراع إلى توترات إقليمية ويجعله أحد أكثر الحروب بالوكالة الجارية دراماتيكية في العالم، مشيرا إلى أن ليبيا دخلت منذ عام 2014 في نزاع إقليمي أكبر يشمل ثلاثة صراعات متداخلة، جاءت على النحو التالي:
1- الأولى تمحورت حول الخليج مع قطر وتركيا ضد مصر والسعودية والإمارات، وكل طرف مدفوع بمصالحه الخاصة في ليبيا، ويهدف إلى إرساء الأرضية وكذلك توجيه نتائج أي مبادرة سلام لصالح أجندته الخاصة.
2- والثاني نتيجة التوتر بشأن حقوق التنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط (تركيا ضد مصر وفرنسا واليونان وقبرص وإسرائيل)، وانجر ليبيا إلى وسط هذه المواجهة.
3- والثالث يشمل روسيا وتركيا، الفاعلان الخارجيان الرئيسيان اللذان يعارضان بعضهما البعض في سوريا، وفي الصراع بين أرمينيا وأذربيجان، واستخدموا المسرح الليبي كأرضية لإبراز نفوذهم وحماية مصالحهم الاقتصادية والاستراتيجية في ليبيا ما بعد الحرب.
وقال إن المراحل المختلفة للأزمة الليبية من عام 2011 حتى الآن، تُظهر أن للصراع بُعدًا اقتصاديًا لا يقل أهمية عن العوامل السياسية والعسكرية، ويجب على أي جهد لتحقيق الاستقرار في البلاد النظر في هذه المكونات الثلاثة بطريقة متكاملة.
وأوضح أن ليبيا ستستمر في كونها محور القوى الدولية في السنوات القادمة، خاصة وأن لديها الموارد والقدرة على أن تصبح مركزًا تجاريًا في البحر الأبيض المتوسط وستزيد روسيا من شحذ استراتيجيتها الهادفة إلى استرداد الديون الكبيرة المستحقة للشركات الروسية على الحكومات الليبية منذ حكم العقيد معمر القذافي، وستهدف موسكو أيضًا إلى استخدام وجودها على الأرض مع وكيلها العسكري، مجموعة فاغنر التي يديرها القطاع الخاص كأداة مهمة في منافستها العالمية مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في ليبيا ومنطقة الساحل وما وراءها.
أما بالنسبة لفرنسا وإيطاليا، فقال إن لديهما أجندتهما الخاصة النابعة من مصالحهما الاقتصادية مثل التنقيب عن النفط من قبل شركات؛ توتال وإيني والمساهمة المتوقعة لأعمالهما في مشاريع إعادة الإعمار المربحة للغاية، والمسؤوليات التاريخية مثل الدور الفرنسي في انهيار النظام السابق في عام 2011، وكذلك التراث الاستعماري الإيطالي في ليبيا، وقد أدى ذلك إلى سياسات غامضة أعاقت بحكم الأمر الواقع أي عمل هادف من جانب الاتحاد الأوروبي.
وبالنسبة لتركيا، فلفت إلى أنه ليس لديها مصلحة دافعة واحدة للمتابعة، بل بالأحرى تعمل وسط مزيج معقد من العوامل الاقتصادية والسياسية والأيديولوجية، التي دفعت تركيا إلى التدخل متعدد الجوانب في ليبيا.
وأكد أنه على الرغم من التفاؤل الناتج عن التطورات الأخيرة، فإن العملية السياسية الليبية لا تزال هشة للغاية، ولم يتم بعد تنفيذ العديد من القرارات المهمة التي اتخذتها اللجنة العسكرية 5 + 5 ومنتدى الحوار السياسي، ألا وهي: انسحاب المرتزقة الأجانب، وفتح الطريق الساحلي، وتبادل الأسرى، وكذلك وضع الأساس الدستوري لانتخابات 24 ديسمبر 2021.
وطالب حكومة الوحدة المؤقتة وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا السيطرة على العنف في البلاد، وتحديد مصير الجماعات المسلحة، كما يحتاجون إلى معالجة المخططات المتضاربة للقوى الإقليمية والدولية بشأن ليبيا ووقف التدخلات الخارجية في سياساتها وأمنها، ومن المقرر أن تنمو المنافسة الأجنبية في الأشهر المقبلة مع اقتراب الموعد النهائي للانتخابات، وأن تحاول كل قوة خارجية تشكيل نتيجة التسوية السياسية في ليبيا وتشكيل مكانتها الخاصة وفقًا لمصالحها السياسية والاقتصادية.
———
ليبيا برس