الجهيناوي: البنك الدولي أكد أن الأزمة الليبية وراء 24% من ‏تباطؤ الاقتصاد التونسي

أكد وزير الخارجية التونسي السابق، ورئيس المجلس التونسي ‏للعلاقات الدولية، خميس الجهيناوي، أن ليبيا وتونس ما زالتا على ‏مفترق طرق بعد عشر سنوات من انتفاضتيهما، لافتاً أن أمن كلا ‏البلدين مرتبط ببعضه البعض، لدرجة أن نجاح العملية ‏الديمقراطية في تونس والانتعاش الاقتصادي للبلاد، يعتمدان إلى ‏حد كبير على التطورات في ليبيا.‏

وأشار في مقال له بصحيفة “العرب” السعودية الناطقة ب‏الإنجليزية، أن ليبيا تفتح فصلاً جديداً من انتقالها السياسي، من ‏خلال تشكيل حكومة مؤقتة جديدة، والتي يجب أن تواجه المهمة ‏الضخمة المتمثلة في تأمين وتوحيد بلد منقسم بشدة وتمهيد ‏الطريق لإجراء انتخابات عامة مقررة للولاية، نهاية السنة.‏

وأضاف أن هذا ما يحدث في ليبيا، في الوقت الذي تكافح فيه تونس ‏من أجل توطيد ديمقراطيتها في سياق أزمات اقتصادية واجتماعية ‏وسياسية خطيرة ، زاد من تعقيدها جائحة مدمر، مؤكداً أن تونس ‏لا تزال تختبر أيضًا الحوكمة السياسية التي أنشأها دستور 2014 ، ‏وهو نظام شبه برلماني له فروع تنفيذية مزدوجة غير قادرة على ‏إدارة واحتواء صعود الاتجاهات الشعبوية بينما تسعى الدولة ‏جاهدة لإقامة علاقات طبيعية ومتوازنة بين مختلف المؤسسات ‏السياسية.‏

وأوضح الجهيناوي، أن ليبيا وتونس متشابكان في الواقع بسبب ‏الجغرافيا لأنهما يشتركان في حدود تبلغ 461 كيلومترًا، كما أنهم ‏يتشاركون في روابط إنسانية وثقافية وعرقية قوية متجذرة في ‏التاريخ، مع إمكانية إعادة العلاقات الطويلة الأمد إلى العصر ‏الفينيقي؛ إذ كانت الأولى ملاذًا للثانية في حال احتياجها لأي دعم في ‏كافة الجوانب.‏

ووفقًا للمقال حافظ البلدين على مدى السنوات على تعاون وثيق ‏واتصالات إنسانية مكثفة حيث اعتاد التونسيون اللجوء إلى ليبيا ‏كلما شعروا بالتهديد في الوطن، لاسيما أثناء الاستعمار الفرنسي، ‏وبالمثل سعى الليبيون غالبًا إلى الأمن وحياة أفضل في تونس أثناء ‏غزو واحتلال الإيطاليين لبلدهم، مشيرًا أن غالبًا ما تكون العديد من ‏العائلات من نفس الأصول القبلية حتى لو كانوا يعيشون على جانبي ‏الحدود.‏

وتحدث المقال عن فترة حكم العقيد معمر القذافي حيث كانت ‏العلاقات متوترة في الكثير من الأحيان خلال فترة الرئيس الحبيب ‏بورقيبة، في حين تحسنت هذه العلاقات بشكل كبير في عهد الرئيس ‏زين العابدين بن علي، مبينًا أن العلاقات الثنائية اتخذت منعطفًا ‏حاسمًا آخر بعد العام 2011.‏

وأضاف أن الحكومة في تونس تحركت لتأمين حدودها مع جارتها ‏الجنوبية في العام 2011، مخافة امتداد الصراع العسكري فيها ‏للأراضي التونسية، مشيرًا إلى أنها سعت إلى بدء اتصالات مع ‏مختلف أصحاب المصلحة الليبيين للتأثير على نتيجة الثورة الليبية ‏وتجنب امتداد الصراع العسكري إلى الأراضي التونسية.‏

وتطرق المقال إلى أن الغالبية العظمى من السكان الليبيين تتركز في ‏الجزء الغربي من البلاد، بالقرب من تونس جغرافيًا، مما يجعل ‏تونس إحدى الوجهات المباشرة للعديد من الليبيين الباحثين عن ‏العلاج الطبي أو الإجازات، لاسيما بعد أن بقيت الحدود التونسية ‏مفتوحة مع ليبيا من بين كافة الدول الجارة الأخرى.‏

ولفت إلى أن معظم الليبيين الذين يسافرون إلى الخارج يستخدمون ‏المطارات التونسية كنقطة عبور إلى وجهات أخرى، فيما لجأ أكثر ‏من مليوني ليبي ولاجئ أجنبي فروا من العنف في 2011 إلى تونس ‏لأشهر، حتى أن البعض استقر منذ ذلك الحين في تونس للاندماج ‏بسلاسة مع السكان المحليين.‏

وأكد أنه لا داعي لإعادة التأكيد على الأهمية القصوى لليبيا بالنسبة ‏لتونس، فأمن كلا البلدين مرتبط ببعضه البعض، لدرجة أن نجاح ‏العملية الديمقراطية في تونس والانتعاش الاقتصادي للبلاد ‏يعتمدان إلى حد كبير على التطورات في ليبيا.‏

وتطرق إلى أنه خلال أزمة ليبيا في الفترة من 2011 إلى 2014، ‏لعبت تونس دورًا رئيسيًا في تزويد السوق الليبي بالضرورات ‏الأساسية، ساهم بشكل كبير في التخفيف من ندرة العديد من ‏المنتجات، بما في ذلك المواد الغذائية وتلبية الاحتياجات العاجلة، ‏وكانت لسنوات عديدة، ليبيا الشريك الاقتصادي الثاني لتونس ‏بحوالي 2.5 مليار دينار في التجارة، وإلى جانب ذلك ، تطورت ‏التجارة غير الرسمية، بما في ذلك جميع أشكال التهريب، من كونها ‏مقبولة بشكل أساسي قبل عام 2011 لتصبح مصدرًا رئيسيًا للدخل ‏للعديد من المجتمعات على جانبي الحدود. ‏

وعاد وذكر أن أنشطة التهريب تلك، باتت تشكل تهديدًا خطيرًا ‏لاستقرار وأمن المنطقة بأكملها، وشملت الأنشطة غير المشروعة ‏الاتجار بالأسلحة وأشكال أخرى من الأنشطة الإجرامية عبر ‏الحدود.‏

وعدد كذلك، أمثلة تُظهر التشابك الاستثنائي للاقتصادين ‏التونسي والليبي، ومدى اعتماد الاقتصاد التونسي على ليبيا، والتي ‏جاءت على النحو التالي:‏
‏1- يختار ما يقرب من 1.7 مليون سائح ليبي المنتجعات التونسية ‏كل عام، مما يجعل ليبيا ثاني سوق سياحي لتونس بعد الجزائر.‏
‏2- اعتاد حوالي 100 ألف تونسي العيش والعمل في ليبيا، وغادر ‏معظمهم حوالي 60 ألف البلاد في عام 2011، ولم يتمكنوا من ‏العودة منذ ذلك الحين، مما حرم اقتصاد بلدهم من العملة الأجنبية ‏التي تشتد الحاجة إليها.‏
‏3- أثرت الأزمة الليبية سلبًا على تدفق الاستثمارات الأجنبية، ‏وقلصت كذلك من العدد الكبير تقليديًا من السياح الراغبين في ‏قضاء عطلاتهم في تونس، وفي الواقع، انخفضت الاستثمارات ‏الليبية بنسبة 60٪ تقريبًا في قطاع السياحة وانخفض التدفق ‏السياحي بشكل كبير بعد الهجمات الإرهابية في عامي 2015 ‏و2016 التي تورط فيها متطرفون تونسيون على صلة بليبيا.‏

ولفت إلى أن البنك الدولي يُقدر أن الأزمة الليبية وراء 24٪ من ‏تباطؤ النمو الاقتصادي في تونس خلال 2011-2015، ومنذ ذلك ‏الحين، زاد هذا الرقم بشكل كبير، وهذا يعادل 2٪ تقريبًا من الناتج ‏المحلي الإجمالي الوطني سنويًا، وبحسب مركز برشلونة للشؤون ‏الدولية، فإن حوالي ثلاثة ملايين تونسي يعتمدون على ليبيا إما من ‏تحويلات العمال التونسيين أو من أنشطة السوق السوداء في ‏المنطقة الحدودية.‏

وانتقل وزير الخارجية التونسي السابق، بالحديث عن الحدود بين ‏البلدين، ذاكرًا أن أمن كلا البلدين متشابك إلى حد كبير، وأن غياب ‏حكومة مركزية قوية في طرابلس ووقوع مخزونات الأسلحة الهائلة ‏في أيدي الميليشيات المنتشرة في جميع أنحاء الأراضي الليبية، ‏جعلها ملعبًا للعصابات المسلحة والجماعات المسلحة، وهو ما ‏وفر ملاذًا آمنًا لآلاف الإرهابيين القادمين من أفريقيا وجنوب ‏الصحراء أو منطقة الساحل، وكذلك أولئك الفارين من بؤر التوتر ‏في سوريا والعراق. ‏

وقال إن هيئات موالية لداعش والقاعدة أعادت تجميع صفوفها في ‏ليبيا، بعد انتكاساتها في سوريا وأفريقيا جنوب الصحراء، مع إنشائها ‏مراكز التجنيد والتدريب في ليبيا، تطورت لتصبح تهديدًا كبيرًا ‏لتونس والدول المجاورة الأخرى وحتى لأوروبا.‏

وأوضح أنه من أجل مواجهة هذا الخطر الحقيقي على حدودها ‏الجنوبية، لاسيما بعد الهجمات الإرهابية القاتلة في 2015-2016، ‏عملت السلطات التونسية على مدى السنوات القليلة الماضية ‏لتأمين حدودها، وتقع الحدود في منطقة عسكرية عازلة، وهي ‏محمية في الوقت الحاضر بالبنية التحتية المادية بما في ذلك ‏السياج الإلكتروني والخنادق ومراكز المراقبة والأبراج، بفضل الدعم ‏الأمريكي والألماني، وتمت ترقية مراقبة الحدود لتشمل تقنية ‏المراقبة الحديثة المعززة برحلات الطائرات بدون طيار العادية.‏

ولفت إلى أن هناك خطوات إضافية جارية لتحسين الأمن ورفع ‏مستواه، من أجل زيادة عدم نفاذية الحدود ضد تسلل الإرهابيين ‏وأنشطة التهريب، لكن السلطات حريصة على عدم التعامل مع ‏التهديد الإرهابي على قدم المساواة مع أنشطة التهريب التجاري عبر ‏الحدود.‏

وأشار إلى أن هذا التضييق بشكل منهجي يمكن أن يؤثر على مشغلي ‏القطاع غير الرسمي إلى جعل الوضع الاقتصادي الصعب بالفعل ‏للمناطق المعتمدة على التهريب ويصبح الوضع أكثر خطورة، لاسيما في المدينتين الرئيسيتين في الجنوب وهما مدنين وتطاوين ‏والمناطق المجاورة، مضيفا أنه غالبًا ما يقال إن أخطر المخاطر ‏الأمنية التي يشكلها النزاع الليبي على تونس لا تتمثل في عبور الأفراد ‏للحدود ولكن بإغلاق حدود كاملة، ومثل هذا السيناريو، إذا تم ‏تنفيذه بصرامة، يمكن أن يؤدي إلى موجة من الاضطرابات التي قد ‏تتطور إلى احتجاجات مزعزعة للاستقرار في العديد من المناطق في ‏المنطقة الحدودية التونسية.‏

وأضاف بقوله إنه لا تزال ليبيا مصدر قلق حيوي للأمن القومي ‏لتونس، بسبب آثارها الضخمة على التنمية الاقتصادية للبلاد ‏والاستقرار السياسي، إلى جانب المشاركة الدبلوماسية، حيث كانت ‏استراتيجية الدفاع التونسية ضد التهديدات الحالية والمستقبلية ‏مرتكزة من ليبيا بصورة تفاعلية إلى حد كبير وموجهة نحو الاحتواء.‏

وفي سياق آخر، ذكر أن الحكومات المتعاقبة في تونس، أولت ‏اهتماما خاصًا بليبيا، بسبب إدراكها للتأثير المباشر للأزمة الليبية ‏على الانتقال السياسي في البلاد والانتعاش الاقتصادي، وغالبًا ما ‏تعكس مشاركة الفاعلين التونسيين وطبيعة الدعم الذي قدموه ‏لفصائل سياسية مختلفة في ليبيا، انتمائهم الأيديولوجي والتوازن ‏الهش داخل المجتمع التونسي نفسه.‏

وتطرق إلى دعم حزب النهضة التونسي، أحد أذرع جماعة الإخوان ‏المسلمين للإسلاميين في ليبيا، بقوله إن راشد الغنوشي هنأ في مايو ‏‏2020 الرئيس السابق لحكومة الوفاق المُنتهية ولايتها فائز السراج ‏والجماعات الإسلامية في طرابلس على انتصارهم العسكري على ‏قوات خليفة حفتر، وجاءت تصريحات الغنوشي في وقت استعادت ‏القوات الموالية لحكومة الوفاق السيطرة على قاعدة الوطية ‏العسكرية، وتعرضت تصريحاته لانتقادات شديدة من قبل ‏المعارضة التونسية، بل وأثارت دعوات من أعضاء البرلمان لإقالته ‏من منصب رئيس البرلمان.‏

ولفت إلى أنه مباشرة بعد انتخابات 2014، سعت الحكومة ‏التونسية إلى التواصل الفعال مع ليبيا، لكنها حاولت الحفاظ على ‏مسافة متساوية من جميع الجهات الفاعلة الليبية، وكان هدف ‏الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي والدبلوماسية التونسية في ذلك ‏الوقت هو المساعدة في تمكين نوع من التقارب بين الفصائل ‏المتحاربة سواء في الشرق أو الغرب ومع حفتر أو السراج، والعمل ‏على تسوية سلمية للصراع من خلال الحوار في إطار بعثة الأمم ‏المتحدة.‏

وحدد الدبلوماسي التونسي السابق، هدفان رئيسيان كانا لدي ‏الدبلوماسية التونسية:‏
‏1- تجنب امتداد الصراع الليبي إلى الأراضي التونسية، من خلال ‏زيادة مراقبة الحدود، لمنع تسلل الإرهابيين وتهريب الأسلحة ‏والسلع إلى البلاد.‏
‏2- خلق ديناميكية جديدة بين جيران ليبيا، لاسيما الجزائر ومصر ‏من خلال مبادرة رئاسية تربط الدول العربية الثلاث في شمال ‏إفريقيا المتاخمة لليبيا وهي تونس والجزائر ومصر، في محاولة ‏لتسوية سلمية شاملة للصراع، وكان المنطق وراء هذا المخطط هو ‏المواءمة بين المواقف المصرية والجزائرية تجاه الصراع الليبي، ‏ومحاولة التحدث بصوت واحد إلى مختلف الفصائل السياسية ‏الليبية، بغض النظر عن انتماءاتها الأيديولوجية أو الإقليمية.‏

وألمح إلى أن المبادئ الأساسية التي أقرها منتدى الحوار السياسي ‏المنعقد بتونس في نوفمبر 2020 واتفاق جنيف فبراير 2021، كان ‏يحمل ذات المبادئ الخاصة بالمبادرة التونسية عام 2017، مشيرًا ‏إلى أن تونس بصفتها عضوًا غير دائم في مجلس الأمن تتحمل ‏مسؤولية خاصة، لمرافقة ليبيا خلال الفترة المتبقية المؤدية إلى ‏الانتخابات العامة، وتواصل التأكيد لأعضاء المجلس الآخرين ‏على أهمية إخراج ليبيا من المرحلة الانتقالية من خلال تنظيم ‏انتخابات وطنية ديمقراطية وشفافة تجري كما هو مقرر. ‏

وقال إنه يجب اتخاذ خطوات محددة لبلوغ هذا الهدف من خلال ‏وضع الإطار الدستوري والقانوني اللازم والدعوة إلى انسحاب جميع ‏القوات الأجنبية من ليبيا وإخراج الميليشيات المُسلحة من جميع ‏أنحاء البلاد، مشيرًا إلى أنه على تونس أن تكون أكثر نشاطًا وصوتًا في ‏الاجتماعات المختلفة المتعلقة بالأزمة الليبية ومتابعة توصيات ‏مؤتمر برلين.‏

وانتقل بدوره، إلى نقطة أخرى، تتعلق بمساهمة تونس في إعادة إعمار ليبيا، مؤكدًا أن تونس في وضع ‏جيد للمساهمة في توطيد السلام في ليبيا، والمشاركة في إعادة ‏تأهيل مؤسساتها وإعادة بناء اقتصادها.‏

وأكد أن تونس تستفيد من ميزة نوعية مقارنة بمنافسيها، من خلال التاريخ الطويل للقطاع الخاص التونسي العامل بالسوق الليبي، والإطار القانوني الثري الموروث من عهد القذافي بن علي، والذي ‏لا يزال ساري المفعول، ويمكن أن يساعد الشركات التونسية على ‏استئناف أعمالها بسرعة في ليبيا، والقرب الجغرافي وتوافر شبكة طرق تقلل بشكل كبير من تكلفة ‏النقل بين البلدين.‏

وأشار إلى أنه لسنوات، عندما كانت ليبيا تحت الحظر الذي فرضته ‏الأمم المتحدة من قبل مجلس الأمن في أعقاب قضية لوكربي ‏‏(1988-2008)، كان القطاع الخاص التونسي في طليعة تلبية ‏احتياجات ليبيا من السلع الاستهلاكية والمواد الغذائية، ‏والمنتجات التونسية معروفة ومحل تقدير كبير من قبل ‏المستهلكين الليبيين. ‏

وأضاف بأن الشركات التونسية اكتسبت خبرة غنية في ‏مشاريع الأشغال العامة في ليبيا، وتم التعاقد مع مئات المباني ‏العامة والمشاريع الإسكانية من قبل رواد أعمال تونسيين، حيث سيوفر ‏استئناف العمليات في ليبيا فرصًا جديدة للشركات التونسية ‏المتضررة بشدة من الأزمة الاقتصادية المحلية ووباء كورونا، ‏كما أنه سيفتح سوق العمل لعشرات الآلاف من الباحثين عن عمل.‏

وأوضح أنه يمكن تقديم مساهمة تونس في إعادة إعمار ليبيا ‏بالترتيب التسلسلي التالي:‏
‏1- توفير الخبرة القانونية للإعداد الكافي لانتخابات حرة وشفافة، ‏بدأها منتدى الحوار السياسي الليبي قبل نهاية العام، ويمكن أن ‏يتراوح هذا من المساعدة في صياغة قانون انتخابي، إلى المساعدة ‏في تشكيل الدوائر الانتخابية وتقديم المساعدة المطلوبة للمفوضية ‏الوطنية العليا للانتخابات، لتمكينها من أداء مهمتها وفقًا للمعايير ‏الدولية للشفافية والمساءلة.‏

وقد تكون التجربة التي اكتسبتها تونس خلال السنوات العشر ‏الماضية في الانتقال السياسي وفي إدارة الانتخابات الوطنية ‏والمحلية الحرة، مفيدة في التحضير بشكل أفضل للاقتراع الليبي ‏المقبل ووضع الخطوات المختلفة لخريطة الطريق المتفق عليها ‏في اجتماع منتدى الحوار الوطني الليبي في نوفمبر الماضي.‏

ولفت إلى أنه على الرغم من أن تونس لا تزال تكافح من أجل ‏تبسيط وتحديث خدماتها العامة، إلا أنها تستطيع مع ذلك ‏الاستفادة من خبرتها الطويلة لتقديم الدعم الذي تحتاجه ‏السلطات الليبية في الفترة الانتقالية.‏

كما يمكنها المساعدة في ضبط عوامل الحكم الرشيد والتشغيل ‏السليم لمؤسسات الدولة، حيث يمكن تنفيذ هذه المهمة من ‏خلال التعاون الثلاثي الذي يجمع تونس وليبيا والدول الديمقراطية ‏المانحة، بالإضافة إلى المساعدة في تفكيك المليشيات وسحب ‏السلاح للمساعدة في تشكيل وتوحيد الجيش الوطني الليبي وقوات ‏الأمن.‏

‏2- يمكن للشركات التونسية أن تشارك في مشاريع البنية التحتية ‏الكبرى في ليبيا، ويمكنهم المزايدة على المناقصات العامة المتعلقة ‏بالإسكان والمباني العامة، خاصة في منطقة بنغازي المنكوبة وشرقي ‏البلاد وكذلك في حي طرابلس، كما يمكنهم تلبية احتياجات السوق ‏الليبي من السلع الاستهلاكية والمواد الغذائية وتزويد ذلك السوق ‏بشكل منتظم بمنتجات ذات جودة وتنافسية.‏

وأكد أنه تبدو آفاق العلاقات التونسية الليبية واعدة بالفعل، حيث ‏مهدت الزيارات الأخيرة التي قام بها الرئيس التونسي ورئيس الوزراء ‏إلى طرابلس الطريق، لانطلاقة جديدة في التعاون الثنائي، فمن ‏الواضح أن البلدين بحاجة إلى بعضهما البعض لتعزيز التحولات ‏بينهما، خاصة وأن تونس في حاجة ماسة إلى الدعم المالي الليبي في ‏شكل قرض أو وديعة في البنك المركزي التونسي، لمواصلة بثقة ‏المناقشات التي بدأتها بالفعل مع صندوق النقد الدولي للسعي، ‏للمرة الرابعة خلال عقد، للحصول على قرض لمدة ثلاث سنوات. ‏

وألمح إلى أنه من جهتها، تتطلع ليبيا إلى خبرة تونس ومواردها ‏البشرية للمساهمة في البرنامج الواسع للبناء المؤسسي وإصلاح ‏قطاعها العام، حيث يمكنها أيضًا الاعتماد على تونس، بصفتها ‏عضوًا غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حتى نهاية ‏عام 2021، لتأمين الدعم الذي تشتد الحاجة إليه من المجتمع ‏الدولي، أي الدول الخمس دائمة العضوية (الولايات المتحدة ‏الأمريكية وروسيا والمملكة المتحدة وفرنسا والصين)، للانتقال ‏الدقيق المؤدي إلى الانتخابات المقبلة. ‏

وأضاف بأنه يمكن لليبيا أيضًا أن تتطلع إلى تونس، لتعبئة دول ‏الجوار الأخرى، لاسيما الجزائر ومصر للوقوف إلى جانب حكومة ‏الوحدة المؤقتة، لتهيئة الظروف المواتية للانتقال السلس إلى ‏تسوية دائمة للأزمة بحلول نهاية العام، ومع ذلك، يتعين على القادة ‏في كلا البلدين انتظار نتائج الانتخابات العامة المقبلة في ليبيا المقرر ‏إجراؤها في 24 ديسمبر، لبدء أي نقاش هادف حول مساهمة ‏تونس في مشاريع البنية التحتية الكبرى في ليبيا، وتتمثل المهمة ‏الرئيسية للحكومة المؤقتة الحالية، كما حددتها اتفاقية جنيف، في ‏تمهيد الطريق لانتخابات شفافة وديمقراطية في ليبيا بحلول نهاية ‏العام.‏

وانتقل بحديثه عن الجهات الأجنبية الفاعلة في ليبيا، قائلا إنه ‏تميزت الأزمة الليبية منذ عام 2011 بالتشابك المعقد للمصالح ‏المختلفة والمتضاربة في كثير من الأحيان داخل وخارج ليبيا على ‏حد سواء، وهذه الصراعات معقدة لحلها بسبب الانقسامات ‏المؤسسية العميقة، وانعدام الثقة الذي تراكم على مر السنين، إلى ‏جانب الاستراتيجيات المتباينة بين الجهات الليبية واللاعبين ‏الدوليين.‏

وأوضح أنه لا يمكن الاستهانة بدور صناعة النفط والغاز في ليبيا، في ‏إشعال الصراع وإدامته، لأنها المحرك الرئيسي للاقتصاد الليبي ‏وتشكل حوالي 60٪ من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، كما أنه ‏يخضع لمنافسة شرسة واضحة بين الفصائل الليبية والشركاء ‏الأجانب.‏

وأكد أن التوزيع العادل للثروة، وتجنب تحويلها لتمويل المسلحين ‏والميليشيات، وحل النزاعات المالية بين الجانبين المتنازعين في ‏نفس الوقت، من الشروط الأساسية لجميع مبادرات السلام، ولاسيما تلك التي ترعاها الأمم المتحدة.‏

وقال إنه لا تزال القوى الأجنبية تلقي بثقلها على المسرح الليبي، مما ‏يجر الصراع إلى توترات إقليمية ويجعله أحد أكثر الحروب بالوكالة ‏الجارية دراماتيكية في العالم، مشيرا إلى أن ليبيا دخلت منذ عام ‏‏2014 في نزاع إقليمي أكبر يشمل ثلاثة صراعات متداخلة، جاءت ‏على النحو التالي:

‏1- الأولى تمحورت حول الخليج مع قطر وتركيا ضد مصر ‏والسعودية والإمارات، وكل طرف مدفوع بمصالحه الخاصة في ‏ليبيا، ويهدف إلى إرساء الأرضية وكذلك توجيه نتائج أي مبادرة ‏سلام لصالح أجندته الخاصة.‏
‏2- والثاني نتيجة التوتر بشأن حقوق التنقيب عن الغاز في شرق ‏البحر المتوسط (تركيا ضد مصر وفرنسا واليونان وقبرص ‏وإسرائيل)، وانجر ليبيا إلى وسط هذه المواجهة.‏
‏3- والثالث يشمل روسيا وتركيا، الفاعلان الخارجيان الرئيسيان ‏اللذان يعارضان بعضهما البعض في سوريا، وفي الصراع بين أرمينيا ‏وأذربيجان، واستخدموا المسرح الليبي كأرضية لإبراز نفوذهم ‏وحماية مصالحهم الاقتصادية والاستراتيجية في ليبيا ما بعد ‏الحرب.‏

وقال إن المراحل المختلفة للأزمة الليبية من عام 2011 حتى ‏الآن، تُظهر أن للصراع بُعدًا اقتصاديًا لا يقل أهمية عن العوامل السياسية ‏والعسكرية، ويجب على أي جهد لتحقيق الاستقرار في البلاد النظر ‏في هذه المكونات الثلاثة بطريقة متكاملة.‏

وأوضح أن ليبيا ستستمر في كونها محور القوى الدولية في السنوات ‏القادمة، خاصة وأن لديها الموارد والقدرة على أن تصبح مركزًا تجاريًا في البحر ‏الأبيض المتوسط وستزيد روسيا من شحذ استراتيجيتها الهادفة إلى ‏استرداد الديون الكبيرة المستحقة للشركات الروسية على الحكومات ‏الليبية منذ حكم العقيد معمر القذافي، وستهدف موسكو أيضًا إلى ‏استخدام وجودها على الأرض مع وكيلها العسكري، مجموعة فاغنر ‏التي يديرها القطاع الخاص كأداة مهمة في منافستها العالمية مع ‏الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في ليبيا ومنطقة الساحل ‏وما وراءها.‏

أما بالنسبة لفرنسا وإيطاليا، فقال إن لديهما أجندتهما الخاصة ‏النابعة من مصالحهما الاقتصادية مثل التنقيب عن النفط من قبل ‏شركات؛ توتال وإيني والمساهمة المتوقعة لأعمالهما في مشاريع إعادة ‏الإعمار المربحة للغاية، والمسؤوليات التاريخية مثل الدور الفرنسي ‏في انهيار النظام السابق في عام 2011، وكذلك التراث ‏الاستعماري الإيطالي في ليبيا، وقد أدى ذلك إلى سياسات غامضة أعاقت ‏بحكم الأمر الواقع أي عمل هادف من جانب الاتحاد الأوروبي.‏

وبالنسبة لتركيا، فلفت إلى أنه ليس لديها مصلحة دافعة واحدة ‏للمتابعة، بل بالأحرى تعمل وسط مزيج معقد من العوامل ‏الاقتصادية والسياسية والأيديولوجية، التي دفعت تركيا إلى التدخل ‏متعدد الجوانب في ليبيا.‏

وأكد أنه على الرغم من التفاؤل الناتج عن التطورات الأخيرة، فإن ‏العملية السياسية الليبية لا تزال هشة للغاية، ولم يتم بعد تنفيذ ‏العديد من القرارات المهمة التي اتخذتها اللجنة العسكرية 5 + 5 ‏ومنتدى الحوار السياسي، ألا وهي: انسحاب المرتزقة الأجانب، وفتح ‏الطريق الساحلي، وتبادل الأسرى، وكذلك وضع الأساس الدستوري ‏لانتخابات 24 ديسمبر 2021. ‏

وطالب حكومة الوحدة المؤقتة وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ‏ليبيا السيطرة على العنف في البلاد، وتحديد مصير الجماعات ‏المسلحة، كما يحتاجون إلى معالجة المخططات المتضاربة للقوى ‏الإقليمية والدولية بشأن ليبيا ووقف التدخلات الخارجية في ‏سياساتها وأمنها، ومن المقرر أن تنمو المنافسة الأجنبية في الأشهر ‏المقبلة مع اقتراب الموعد النهائي للانتخابات، وأن تحاول كل قوة ‏خارجية تشكيل نتيجة التسوية السياسية في ليبيا وتشكيل مكانتها ‏الخاصة وفقًا لمصالحها السياسية والاقتصادية.‏

‏———
ليبيا برس ‏

البنك الدوليالخارجية التونسيةتونس